“ايا يوم مسموح للسيارات لي بلا نمر تمشي؟” “وين في مطعم فاتح بالسر؟” “الكافيه مسكر والفحم والع لحالوا برا”، عبارات ساخرة يتناولها رواد مواقع التواصل الإجتماعي على صفحاتهم، و مئات الصور التي توثق مخالفة قرار الإغلاق العام الذي بدأ العمل به منذ ايام قليلة، ورغم المحاولات الحثيثة لقوى الأمن لضبط الأمور، إلا أن اللبنانيين يجدون طرقهم الخاصة بالتحايل عليها، وهو ليس بالجديد على شعب يستخدم القانون ليخالفه، ويرى نفسه فوق القيود و الدساتير جميعها.
لماذا يخالف الأفراد القوانين؟ ولماذا يخالف اللبنانيون تحديدًا القوانين؟ هذه الظاهرة ليست حديثة العهد، بل متأصلة بجذور اللبناني الذي هاجر عن طريق البحر، وعمل في التهريب والزراعة الممنوعة، وما زال يجد صعوبة في الإندماج مع تنظيمات المجتمع الحديث ويتشبث بذهنية المجتمع الأهلي الذي إعتاد عليه، واليوم يتمادى في تمرده في أوج أزمة صحية قاتلة تهدد العالم بأسره، ويتعامل مع الجائحة بإستخفاف كبير رغم ما حصدته و ستحصده من الأرواح.
وضعت القوانين لتنظم حياة الفرد وتحدد حقوقه وواجباته بالتساوي، وتثبت العقاب على من يتعرض للأخرين بالأذى، وعليه فإن من مصلحة المواطن الإلتزام بها وعدم مخالفتها، لكنها في المقابل تحد من حريته وتقيده، وقد يجد صعوبة في فهمها وفهم الغاية منها، ويشعر بأنها تصب في مصلحة الدولة فقط، ولا تراعي حاجته وتطلاعته، فيخالفها مقتنعًا بصوابية قراره.
في لبنان، فقدت الدولة شرعيتها مذ فقدت قدرتها على تأمين حياة كريمة لمواطنيها، ومذ تورط زعمائها بقضايا فساد كبرى وتقاعس القضاء عن محاكمتهم، وتطبيق القوانين حصرًا على مرتكبي الجرائم الذين لا يمتلكون اي غطاء سياسي، والمماطلة في محاكمتهم، وغياب التأهيل في السجون، مما جعل إعادتهم للسكة الصحيحة شبه مستحيل، وباتت مخالفة القوانين هي العرف السائد وتطبيقه هو الشواذ.
من جهة أخرى، أدى تهميش الدولة لمناطق على حساب أخرى، وحرمانها من المراكز الرسمية والصحية والتعليمية الكافية، وعدم إتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل توطيد الأمن وتأمين الراحة العامة وحماية الاشخاص والممتلكات ضمن نطاقها، إلى خلق شرخ كبير بينها و بين ابناء تلك المناطق، وأفقدهم الثقة في قوانينها وقراراتها، فالدولة التي لا تقدم الحقوق لا ينبغي لها أن تسأل عن الواجبات.
كما لا يمكن تجاهل الوضع الإقتصادي الصعب الذي يرزح تحت وطأته اللبنانيون لا سيما أبناء الطبقة الفقيرة الذين لا يمتلكون رفاهية الجلوس في منازلهم لأسبوعين دون اي مردود مالي، والإنصياع لقرارات إتخذها أشخاص بعيدون كل البعد عن معاناتهم ولم يتخذوا حتى اليوم أي اجراء حقيقي من أجل التعويض لهم.
بقلم زينب شميس