” مرايتي يا مرايتي كيف اجمل مليانة او نحيفة؟”
موضة العصر، هوس الفتيات وحلم السيدات إنه هاجس الرشاقة والجسم النحيف، معتقد زرعه برستيج المجتمع اللبناني في ذهن المرأة كي تفكر دائما أن جسدها هو أحد معرّفات الهوية النسائية، التي تتضمن معايير مبنية على المظهر الخارجي فقط كالحمية الغذائية المستمرة، الخوف من السمنة، عمليات التجميل وغيرها من الامور؛ بمعزل عن ثقافة المرأة، طموحها، اخلاقها، إنجازاتها وامنياتها.
أما الهدف فهو إرضاء مجتمع ذو صبغة ذكورية!!
طغت فكرة النحافة، في الأونة الأخيرة بين النساء بشكل ملحوظ في المجتمع اللبناني بمختلف الفئات العمرية، حيث لم تعد تكتفي المرأة بالحمية الغذائية وممارسة الرياضة بل أصبحت تلجأ الى عمليات تكميم المعدة في محاولة منها لإختزال الوقت كي ترسم لوحة الجسد المحفور في ذهنها، متجاهلة غير أبهة بالمشاكل الصحية من تداعيات هذه الخطوة.
تشير د.ليلى شمس الدين (باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام، أستاذة جامعية) الى أن “هناك تحيز ضمني للأشخاص مرتبط بشكل الأجسام الممتلئة أو السمينة مقابل الأجسام النحيفة. اذ تمّ إعداد معظمنا نفسياً وثقافياً للاعتقاد بأنّ الجسم الذي يشتمل على منحنيات، ولفائف وخطوط منحنية لا يبدو ببساطة جيدًا، وبالطبع ليس ممّن يحظون بالثناء. “
كما وتأكد د.شمس الدين ” أن هذه الأفعال تصيب المستهدفات بجرح عميق بسبب السيناريوهات التي تقّدمها الإعلانات ووسائل الإعلام مرارًا وتكرارًا. أفعال تؤطّر أحلامنا ضمن دائرة الجسم المثالي، وتدفعنا عندها للسقوط في دوامة تقييم الأشخاص على أساس أوزانهم في كثير من الأحيان، دون الالتفات أو حتى مجرد النظر إلى مزاياهم، وتأثير أفعالهم كما تبعات حضورهم والقدرات التي يمتلكونها، وهو أمر يُعزّز فاشية الجسد.”
من جهتها تخبرنا سنتيا ملحم ( 29 سنة ) عن تجربتها في هذا المجال فتقول: ” أٌقل كلمة كنت أسمعها ” أد البقرة”، سنوات وانا غير قادرة على النظر الى المرآة. كنت لا احب نفسي واشعر انني ناقصة، وفكرة الضعف طغت على كل احلامي. وبعد عملية التكميم ، الجسم الجميل لم يجدي نفعا امام الامراض، وبالنسبة للنفسية فمكانك راوح.”
في الصدد عينه تأكد د.ليلى الى أن تقبّل الأشخاص للمعتقدات المجتمعية المتعلّقة بالتحيّز ضد الدهون، ورسم النموذج المثالي النحيف يؤدي الى عواقب نفسية حيث ” يرتبط عدم الرضا الجسدي بتدني احترام الذات وصولاً إلى حالة الاكتئاب. “
وتتابع د.شمس الدين: ” الوصم بالوزن هو قضية مرتبطة بالتبعات النفسية على أصحاب الأوزان غير النحيفة. فهو الوصم الناتج عن ردود الفعل المرتبطة بالوزن، ويُعرف من خلال المواقف والمعتقدات السلبية المتعلّقة بهذه الكيلوغرامات التي تختزنها بعض الأجساد. ويمكن أن يؤدّي وصم الأفراد الذين يعانون من ملاءة الوزن أيضًا إلى التهميش الاجتماعي، والذي يتم تعريفه على أنه الاستبعاد الاجتماعي للأقران نتيجة اعتبارهم غير مرغوب فيهم أو مختلفين عنهم.”
أما فيما يخص تجارب الفتيات اللواتي خضعن لتكميم المعدة فإن أضرار هذه العملية كانت أكثر من فوائدها.
تقول صوفيا مراد( 32 سنة ) : ” معاناة كبيرة لكي أضعف منذ عمر 15 سنة، وبعد الزواج كانت السمنة عائق امام الانجاب، حتى ان عملية طفل الانبوب فشلت. ولكن بعد عملية قص المعدة بعشرة اشهر حصل الحمل، صحيح ان هناك معاناة بنقص الحديد ومشاكل الالتهابات النسائية ولكن اتحمل اي شيء من أجل الامومة.”
وتحدثنا ميرا حداد ( 33 سنة ) عن تجربتها : “ضحكتها حلوة ووجها كالقمر ولكن من سيتزوجها؟ هذه الكلمات جعلتني اشعر انني من الغير مرغوب بهم في المجتمع. فعلا خضعت لعملية التكميم وبدأت انحف وافرح في آن، ولكن بسبب نقص المناعة الحاد بعد العملية بدأت المشاكل النسائية وصولا الى تكون ورم سرطاني على المبيض فتحول مشوار السعادة لقهر ودموع وندم. ضعفت من 150 كغ الى 60 كغ ، وفي المقابل خسرت الابتسامة الجميلة وأصبح من الصعب عليي الإنجاب وكله من أجل مجتمع لا يرحم.”
إضافة إلى ما ورد، تأكد اليس الزين ( 45 سنة ) على ان هذه العملية : ” موت أحمر وفيها الكثير من الالم والعذاب، كنت في الحادية والاربعين من العمر ومن يومها وانا أعاني من مشاكل صحية متعددة. واكثر ما يزعجني انني خسرت عملي بسبب الارهاق والأمراض المستمرة .”
أما سامية خليفة (52 عام ) تشير الى تجربتها المختلفة مع عملية التكميم :” لم يحصل معي أي مضاعفات لربما لأنني أخذت الكثير من الفيتامينات، أو بسبب عمري لا أدري، ولكن الأهم انني تخلصت من الوزن الزائد وإرتحت من آلام المفاصل.”
في المحصلة تختم د. ليلى شمس الدين حديثها بالقول: ” تتمثّل إحدى التقنيات المستخدمة لتقليل مستويات وصمة الوزن بالعار في استهداف الصور النمطية السلبية الموجودة في المجتمع، لذلك نرى أنّه من الأهمية اللجوء إلى التثقيف الدائم للأفراد والأسر، والعاملين في المؤسّسات الصحية والإعلامية والتربوية والاجتماعية، وفي الأماكن والمؤسّسات العامّة، بأنّ معايير الجمال ومعايير قبول الأشخاص، لا تستند إلى الوزن أو إلى حجم الجسم. انطلاقاً من أنّ التمييز بين الأشخاص على أساس الوزن أو الحجم، يشكّل نوعاً من أنواع العنف الرمزي، وأحياناً الفعلي، كما يمثّل مشكلة خطيرة تتطلّب اهتمامًا كبيرًا للعمل على تبديل المخيال الجمعي حيال هذا الأمر. أمر يقتضي قبول أشكال الجسم المتنوّعة، والعمل على مواجهة هذا النمط المعاش والمفروض طوعاً وقسراً في آن.”
وعليه لكل انثى كوني أنت، بجمال روحك وبعظمة انجازاتك، كوني إمرأة يقال عنها: كانت وأرادت فأصبحت.
بقلم الصحافية حوراء حلَال