
وكأنّ الحربَ هَوَسٌ لا مَفرّ منه، للعديد مِمَّن امتلك السلطة فحوّلها إلى تسلّط، وللكثير مِمَّن اتّسم بالقوّة، فأضحت بين يدَيهِ استقواءً على للضعفاء، وبطشاً، ربما، بمن يخالفونه الرأي ووجهات النظر في أسلوب الحكم والحياة والاستمرار.
فإذا انتابنا الفضول في إلقاء نظرة متأنّية على خارطة العالَم، وهي مُمَدَّدة على طاولة التشريح، وقرّرنا الإستعانة بقلمٍ ذي حبرٍ فستقيّ متوهّج، يجذب الأنظار إليه من مسافات بعيدة نسبياً، والنَّظَرَ مليّاً باسماء البلاد المتناثرة، وبتفاصيلها الدقيقة التي ترسم مواقعها وحدودها وقربها من هذا المحيط أو ذاك، بقصد الإشارة عبر التظليل إلى كلّ بقعة مشتعلة حرباً ضروساً، داخلية كانت أم مع إحدى الدول المجاورة التي لا تحترم مواثيق التجاور والتلاصق الجغرافي، أو أنها لا تقدّم واجب الطاعة ربما، أو حتى الإنصياع لبعض الرغبات التي لا ترقى إلى مصاف المنطق، أو تستوفي الحدِّ الأدنى من القبول العقلاني.
تُرى، ألن نحصل على شبه لوحة تمثّل سواد السماء في ليل صافٍ مزدانٍ بتشكيلة نجوم تتلألأ كوضوح شمس النهار، وتتقارب وتتباعد كالمصابيح الكهربائية المشتعلة في الهواء الطلق؟
هذا الحديث ينطبق إلى حدٍّ بعيد على الحرب بمفهومها العسكري المعروف والمتداول بالعتاد والعديد. ولكن، هناك أنواع من الحروب يصعُبُ تعدادها، لا ظهورَ لأدواتها ولا للمتحكّمين بها، ولا إحصاءات واضحة المعالم لمدى الأذى الذي تخلّفه وتتركه وتجعل آثاره تبقى فاعلة لسنوات وأجيال متعاقبة، والهدف الرئيسى من الإستمرار في إضرامها هو شعار: “البقاء للأقوى”!
فهلا أدركنا أنّ التقاتلَ تحت هذه الحجّة لا طائل منه، وأنّهُ:
“في الحروب/ لا ينتصر أحد/ بل تُوَزَّعُ الهزيمة/ بالتساوي/ على الجميع” *
* بلال المصري، ديوان “خفيفاً كزيتٍ يضيء”، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، لبنان، 2016.