الأحد , أبريل 2 2023

مروان الخطيب يرسمُ قصائده بريشةٍ مغمّسةٍ بمدادِ الرّوح

   هنا نصٌ نشرته على صفحات أحد أعداد صحيفة الإنشاء، التي كانت تصدر في طرابلس، أتحدّث فيه عن نتاج الشاعر الفلسطيني مروان الخطيب. وأقصد بذلك استرجاعاً لإحدى الذكريات الطيبة التي أفتخر بها:

   عند صدور كلّ عدد جديد من صحيفة “الإنشاء”، يزيّنُ الشاعر مروان الخطيب صفحةً من صفحاتها، بنتاجه الأدبيّ الجميل، والرّصين، والملتزم.

   وما دفعني إلى هذا التوقّف اليوم، وتخصيص هذه المساحة للحديث عنه، وعمّا ينشره، هو ذلك النص الرائع الذي خطّته يد مروان، ويحمل عنوان (ضمّة الأحلام)، في العدد 7017 الصادر في 09/نيسان/2010.

   وكُنتُ قد حزتُ على شرف الإستماع إلى (ضمّة الأحلام) شفهياً قبل نشره، بمعدّل يتجاوز الصوت العادي للحوار بقليل، نظراً لتواجدنا في مقهى شعبي بسيط، ممّا خفّف مستوى التفاعل أثناء القراءة، لكنه لم يُفقده شيئاً من قيمته الأدبية عموماً والشعرية خصوصاً.

   ولا أعلن سرّاً حين أقول أنّ شباك النص قد أوقعت بي، وأنني بقيت منتظراً يوم السبت، موعد حصولي على العدد الجديد من الإنشاء، والمُزدان ب (ضمّة الأحلام).

   وهنا أودُّ  التنويه إلى أنّه هناك فئة من متذوّقي الشعر، تُفضّل سماعه إلقاءً، وخاصّة من ناظمه، على قراءته في صفحات مكتوبة، معتبرةً أنّ الإلقاء يحرّك حاسّة السمع لتصبح حكماً، إلى جانب حاسة النظر، إن كان الشاعر حاضراً.

   أمّا مروان، فهو يمتلك المجد من طرفيه: أي أنك إذا قرأتَ له نصّاً مكتوباً، فانّه سيترك بداخلك أثراً لا يُستهانُ به، وإن لم تكُن من متذوّقي الشعر والمولعين بتتبع جديده. أمّا إن استمعتَ إليه بحضوره إلقاءً في أمسية ما، أو مناسبة ما، فإنّه بلا أدنى شك سيحفر في نفسك خطوط بصمة خاصة، تلتهبُ فخراً كلّما مررتَ به كعابر سبيل، أو لمحت اسمه إلى جانب عنوان نصٍّ ما، يجذبُ القارىء إليه، أو سمعتَ أحداً يتحدّثُ عنه، دون أن يُدرك أنّه قد زرع فيكَ بُرعماً من الإعجاب والتقدير له، ينمو سريعاً كلّما مرّ بك حالٌ من الأحوال التي ذكرتها آنفاً.

   وبالعودة إلى القصيدة التي أتيتُ على ذِكْرِ عنوانها، فهي من لحظة انطلاقها مع العبارة الأولى، تضعك أمام حال من التسمّر:

   مسكونٌ بذاكرة البنفسج،

   بعدها مباشرة، يفتحُ عليك باب التأمّل بحسرةٍ على أمجاد الماضي:

   يتأمّل حصار البيادر في التي كانت قرطبة. 

   وتبدأ رحلة مروان التي تكاد لا تترك محطةً من محطات التاريخ، إلّا ويُلقي عليها قطاره التحية والسلام. ولا يكادُ رمزٌ من رموز العزّة والمجد والعنفوان والزّهد والتقوى، ورفض النزاعات الداخلية يغيب عن ذاكرته، وكأنه جعل نفسه بين مرآتين: واحدة تعكس أمجاد التاريخ، وأخرى ما خلّفه لنا من مواعظ وعِبَر وتراث ثمين.

   ويظهر مروان وكأنّه قد جاب الكرة الأرضية بأسرها، متجاوزاً الحدود الجغرافيّة، متسلّحاً بأحقّيّة القضية التي يحملها، والتي تحتلّ كلّ نَفَسٍ وكلّ نبضٍ وكلّ لحظة من لحظات حياته، فهو إنسان مواظب دون كلل أو ملل، دون أي شعور بالإحباط واليأس أو العودة إلى الوراء. قناعاته مترسّخة، متجذّرة لا هوادة فيها ولا مهادنة، ولا مجال لأيّ مساومة قد تُفضي بظاهر الأمر إلى خير نراه، وتكون في جوهرها شرّاً مستطيرا.

   والقاسم المشترك بين نصوص مروان التي يرسمها، وأقول يرسمها بريشةٍ مغمّسةٍ بمداد الروح، تجعله يمتلك مفتاح النجاح المتمثّل بالصوت الخاص به، باللون الذي يُميّزه، بأنّه تجاوز الهواية نحو الإحتراف منذ زمن، وتجاوز التأثّر بمَن سبقوه على هذه الدرب، فأضحى منارةً يَصعُبُ تقليدها، ولكن يُستحبّ الإستنارة بأضوائها.

   مروان يخطو بكلّ نصّ جديد تبوح به قريحته، نحو المزيد من الرّقي والتألّق، رغم القساوة الكامنة في تفاصيل الحياة اليومية، والمعاناة المتمثّلة بجراح الأمّة التي تنزف في فلسطين والعراق وغيرهما من نسيج الوطن العربي.

   وختاماً، فإنّ مَن يقرأ (ضمّة الأحلام) بتأنٍّ ورويّة، سيجد نفسه أمام أديب ينحت صخر دربه بكلماته التي يُحسن اختيارها، ويصبو لغدٍ أفضل بآماله العَبِقة بالإيمان والصبر والثبات، ويسمو بروحه أدباً وخُلُقاً رفيعاً قصيدة تِلْوَ أخرى.

شاهد أيضاً

يا حُكّام لبنان: أما آن موعد الحل؟

الليرة “المسحوقة” تُعَمِّق التدهور المعيشي… ولبنان إلى المرتبة الأولى عالميًّا بالانهيار!

4 تعليقات

  1. والله لقد أصبت كبد الحقيقة..، هذا ما نراه في أخينا الشاعر والأديب والمفكر أستاذنا مروان الخطيب.
    أستاذ نبيل لقد كتبت ما يجول في خواطرنا؛ بل عبرت بما لم نستطع أن نعبر به.
    ..، مروان أيها الطود العظيم لك لك في قلوبنا وعقولنا مالا تستطيع أن تخطه أقلامنا.
    حياكم الله تعالى وأسعدكم وفتح عليكم فتوح العارفين بالله وفتوح الخيرات أساتذتي المحترمين الفاضلين الأستاذ مروان الخطيب.
    الأستاذ نبيل عرابي.

  2. باقة من زهر الشكر والإحترام والتقدير للأخ الكريم أبو خالد. لقد أصبت في الصميم كل ما تكرّمت به من كلام جميل يستحقّه شاعرنا الكبير بأصالته مروان الخطيب. وأنا ممن يعتبرون أن الحديث عن أدب مروان وعطاءاته المميزة في دنيا الحبر والورق يتجاوز إمكاناتنا، ويبقى أقصر قامة أمام ما يبوح به يراعه من تفرّد في المعاني وحِرفة في تكوين الصور الشعرية وتوصيف المشاهد بلغة تنبض بروحه وترفع الصوت عالياً في ساحات الصمت المطبق.

  3. مَروان مُحمَّد الخطيب

    من شَغافِ فؤادي وتامورِهِ، أرفعُ أسمى آيات الاحترام، وأنبل تحياتِ التقدير، إلى أخويَّ الرائعين الأستاذ الأديب نبيل عرابي، والأستاذ أبي خالد، شاكراً لهما ما تفضلا به من كلمٍ شاهقٍ في مضمونِهِ الإنسانيِّ، ومتسامٍ بما اخضلَّ به من رؤيا تكشفُ عن عُمق مترعٍ بالأدبِ والثقافة، لدى كلٍّ من العزيزين المباركين!.

  4. عثمان عثمان

    الشاعر الكبير مروان الخطيب قامة ادبية ترتفع صعودا في في جمال النص الشعري والنثري ..في كل جملة يستحضر معك عبق التاريخ والارث الفني للانسان عابرا لكل للمكان والزمان متنقلا بكل رشاقة من المثيولوجيا الى التاريخ ومن واقع ماساوؤ الى امل بمستقبل تتحقق فيه العدالة والكرامة الانسانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *