
كم يحلو، ليس من حين لآخر، بل دائما، الحديث عن الكتابة وشؤونها وشجونها ، وعن دورها في حياة المجتمعات عبر التاريخ وإلى أن تقوم الساعة. وبلا أدنى شك فإن أهم أدوات الكتابة هي اللغة .
فاللغة كائن حي، تحتاج لتصبح طيّعة في يد كاتب ما إلى تغذية مستمرة، لذلك نراها وعند كل الكتّاب تبدأ طرية العود ثم تنمو وتكبر ويشتد عودها، ولكنها تحافظ على جوهرها عند الكاتب لتميّزه عن غيره، أي ان الإختلاف في لغة القص أو لغة الشعر عند كاتب ما ليس انقلابا جذريا في تكوين مفردته، وإنما في ايجاد ذلك الكاتب مفردة ما معبّرة أكثر عما يريد قوله ليكون لها وقع مؤثر أكثر عند القارئ.
وقد يمر الكاتب في كثير من الأحيان بلحظات مُغرقة في الذاتية، حادثة ما في أطراف الذاكرة تبرز فجأة أثناء الكتابة لها علاقة بالموضوع الذي يكتبه فيسجلها معتقداً ان القارئ يستطيع الربط بين الموضوع والفكرة الطارئة، لكن في الحقيقة تظل هذه الفكرة خاصة بالكاتب، ولا يستطيع الوصول إلى معناها الحقيقي إلا من عاش تجربة مشابهة..
وذاكرة الكاتب عزيزة عليه عموماً، لذلك ورغم قناعته أحياناً بأن ما يكتبه قد لا يصل إلى الكثيرين، لكنه يصر على الإبقاء على المقطع الذاتي لعلاقته الوثيقة به، ولكن حين يشعر أن عليه تقديم تنازلات على مستوى اللغة والشكل ، يقع في تناقض حاد بين رغبتين : أن يكون مقروءاً من الجميع، وما يريد أن يصل إليه في أدبه. وما أصعب الإختيار!