لم أكن أعلم كم هي تعبة وجوههم، كبرت وتربيت وأنا انظر اليها كأنها وجوه كل البشر، وجه جدتي الذي فيه الف خط لألف كلمة، لم يزعجني ولم يفرحني، كانت حفر وجهها كما ظننت سببها تقادم العمر، فهي عجوز والعجزة يرمون جلودهم أو ينسوها فتتهدل، وجه عمي الأسمر سمرة التعب وسياط الشمس، كان بتضامن مع يديه تاركا بياض باقي جسده مخبأ تحت اقمشة سٌميت ثياب، والدي كان يحب أن يرسم بسمة على وجهه، ولأن قلبه متاهة حزن رسمت تلك البسمة خطوطا من الم على خديه.
كنت أظن أن وجه امي أجمل وجوه الأرض، فقد كنت احبها وأشم رائحة الأمان قربها، إلى أن ارتني يوما صورة لإمرأة غريبة تقف بفستان العرس قرب والدي، فما عرفتها، وتبخرت تلك الرائحة المخدرة ليحل مكانها حزن عميق عمق بئر مهجور.
ابحث الان عن صور لكل تلك الوجوه، صور قديمة لهم قبل الخوف والحزن والالم، صور امحي بها ذاكرتي ابدلها بخيال كاذب يشعرني اني بخير وان الحياة لم تكن بكل تلك القسوة، أحاول تبديل ذاكرتي كي لا اشعر بالذنب كل صباح حين انظر إلى وجهي في المرآة.