لم تصب رصاصة “كلن يعني كلن” سوى صدر الحريري، الذي خضع لضغط الشارع و قدم استقالته عقب ايام من اندلاع انتفاضة ال 17 من تشرين العام الماضي، والتي جاءت احتجاجًا على أزمة المحروقات والطحين، ورفضا لما قُدم من اقتراحات برفع الضريبة على القيمة المضافة وفرض تعرفة إضافية على الخليوي وصفيحة البنزين.
سقوط الحريري والسياسية الحريرية التي توارثها عن أبيه كانت انتصار الشارع الوحيد الذي شهد كثيرًا من الخيبات والهزائم، بعد أن استطاع رجال الأحزاب السياسية وإعلامهم تأليب الرأي العام حوله وشيطنته، إما من خلال بث الشائعات والتصويب على أخطاء فردية، أو عبر التلويح بمؤامرة خارجية تحاك للبلد، مما عرض المتظاهرين لأذى معنوي وجسدي أجبرهم على الخروج من الشارع والرضوخ للأمر الواقع.
ل ال17 من تشرين مكانة خاصة في وجدان من شارك بها، عاطفة ممزوجة بالغضب والحنين والإنتماء، خطوة أولى في مسار طويل من الثورة على طبقة سياسية حاكمة أوصلت البلد إلى ما هو عليه من فساد وفقر، لا سيما بعد فشلها الذريع بالتعامل مع إنفجار مرفأ بيروت الذي راح ضحيته المئات من اللبنانيين، و عدم محاسبة أي متورط في الجريمة حتى الآن. بالإضافة إلى أزمة الدواء وإنهيار الليرة، و سوء السيطرة على جائحة كورونا التي تنهش البلاد، لذا يسعى هؤلاء إلى طمس أي أثر خلفته هذه الإنتفاضة، وإهانة المشاركين بها عبر إعادة الحريري إلى سدة الرئاسة بعد تسويات سياسية على مدار العام، حاولت فيها جميع الأطراف خلق فرص إستفادة من الأزمة وإقناع جماهيرها بأنه الحل الوحيد لإنتشال البلد مما هو فيه.
لم يكن 17 تشرين يومًا عاديًا، رغم محاولات التسلق والإستثمار السياسي، رغم التهديد والتخوين والإساءة التي تعرضنا لها، لم يكن يومًا عابرًا، كان الصحوة لشعب خُدر طويلًا، بالوعود والتخويف من الآخر، بالطائفية والمذهبية، وعودة الحريري اليوم هي إمعان في إذلالنا، عار جديد تسجله السلطة الحاكمة بأمرنا. وقد نكون، بعدما جنيناه من خيبة وأذى قد فقدنا إيماننا بصحوة أخرى، واقتنعنا في نهاية الأمر أننا قلة في وجه جيش جُهز لسنوات طويلة لمعارك مشابهة، وأننا ربما نحتاج الكثير من الوقت لنحطم أمام هؤلاء ما راكموه من حصون منيعة، وستكون هذه العودة المقدرة ذخيرة إضافية في حربنا الطويلة ضد الفساد والعبث، شحنة من الغضب الذي لا بد أن يخرج يوما ما عن طوره ويعيد لنا طيف تشرين الكرامة.
بقلم زينب شميس