قتلت الثورة، دونما مأتم أو عزاء، دون جماهير حاشدة تتنازع النعش، قتلت ثورتنا، ذبحت على أيدي المتسلقين والمتطفلين وحماة الديار، لا نواح في الأفق ولا هناك من يحزنون.
قتلوا أملنا، ذلك الطفل الذي ربيناه صغيرًا وحملناه على أكتافنا، حلمنا بأنه سيغيرنا، سيجعل مستقبلنا افضل، حتى تعثرنا بالمتسلقين، فسقط متعثراً ومات.
لم تنقذه كل محاولاتنا، بكينا كثيرًا، نزفت حناجرنا من الصراخ، تقرحت أرجلنا ونحن نركض في كل الاتجاهات، عبثًا، لقد مات، أملنا الكبير قد مات، والحشود التي كانت تصفق له ذاك الصباح تبخرت، ظل واحد أو اثنان، لم تجف دموعهم بعد، بأعينهم حلم بالإنتقام، أَمَّا الْبَاقُونَ فلن تجمع أربعة منهم بعد اليوم قضية.
حينها لم يكن ملاك الموت واحدًا، كان جيشًا من الظلام، أحزابٌ وجمعياتٌ ومنظمات غير حكومية، تديرها أياد خفية، أبواق إعلامية تسعى لتقطف الشهرة على أكتافنا، راقصة على اجسادنا، لتقدم أوراق إعتماداتها لسفارات تشتريها، وتغنيها عن عجزنا.
ما أكثرهم وما أقلنا، منظمات العم سام تسرق بإسمنا، تعوم على دمائنا، لم تكن يومًا في زاوية غرفة باردة، الأطفال فيها جائعون، والأب يبكي، يحلم بحرق نفسه في ساحة الشهداء لأنه فقد عمله. لم تكن تراقب الأجساد المقيدة ظلمًا في السجون، دون محاكمة حتى الأن، لم تكن حاضرة حينما كان ملاك الموت يمر على الأحياء الفقيرة يقبض أرواحًا حررت نفسها من جحيمٍ سمي زورًا بالوطن، ثم يعرج على أبواب المشافي يحصد شبابًا لم يكن في جيبها ما يأذن لها مخور عباب البحار إلى حيث الأمان، كانت فقط تملأ فمها حتى التخمة، ثم تمضي الليلة تثمل على أوجاعنا.
جيش الظلام الذي لا ينضب، ولا ينتهي، ويحتاج ألف ثورة كي يفنى، سرق من الشرفاء والفقراء والصادقين أخر فرصة أمنوا بها، جعلوا حلم لبنان الأفضل مستحيلًا، فتحوا بابًا من الجحيم ستطال نيرانه أرض الوطن ويحيله رمادًا، ربما حينها سيكون بوسع الأجيال القادمة أن تبنيه مجددًا، أن تربي طفلًا آخرًا، تسميه لبنان لأن لبناننا قد مات مع موت الثورة.
وللحديث بالثورة تتمة…