إما عون أو جعجع، إما الحريري أو الفراغ، إما المحاصصة أو حرب أهلية، دائمًا في لبنان خياران لا ثالث لهما، بين السيء والأسوأ يختار الناس السيئ خوفًا من المجهول، ويرضخون لواقع لا مكان فيه للأفضل، ولا يحاولون فيه إيجاد خيار أمثل، بعيدًا عما كتب عليهم إختياره بشكل غير مباشر. اليوم، بين المرض أو الجوع، أيهما السيئ، أيهما الأسوأ؟
وقع وزير الداخلية قرار العودة للتعبئة العامة مرة أخرى، بعد أن فشل الإغلاق الجزئي والإجراءات الوقائية المتبعة بإيقاف موجة الإنتشار الثانية لفايروس كورونا، ولامس عدد الإصابات الألفي حالة يوميًا، فصار لزامًا إيجاد حل أمام هذا النزيف الهائل في جسد لبنان، وعجز المستشفيات الحكومية عن إستقبال المرضى، وجشع المستشفيات الخاصة التي رفض جزء كبير منها إفتتاح اقسام خاصة لمرضى كورونا بذريعة نقص الإمكانيات والموارد لديها. لكن هذا القرار الذي سيبدأ من منتصف الشهر الجاري حتى آخره، سيشكل ضربة موجعة للفقراء الذين يحاربون يوميًا من أجل تأمين لقمة عيشهم، وصار خوفهم من المرض ضئيلًا أمام عجزهم عن تأمينها.
الجوع كافر، والصحة نعمة لا يعرف قيمتها إلا من تجرع الألم والفقد، ثنائية المعاناة هذه تطبق بفكيها على المواطن اللبناني اليوم، وتجعله أسير الحيرة بين إذعان لقرار الحكومة أو تمرد قد يكلفه صحته وماله إذ ما امسكته القوى الأمنية متلبسًا، وفي الحالتين هو الخاسر الوحيد، الخاسر الذي لا تراه الدولة أكثر من توقيع على محضر ضبط، ومكسبًا إضافيًا لخزينتها المفلسة، وتستغل خوفه وحاجته للعمل لكي تخفي عجزها عن إيجاد حلول حقيقية تحميه من الجوع والمرض، وتلقي على عاتقه مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
لا يلام رجلٌ خاف على نفسه واولاده من الجوع والعجز فكسر قرار الحكومة، بلا تلام حكومة دق بابها ناقوس الخطر منذ اشهر ولم تستطع حتى اليوم إيجاد آلية تحفظ فيها كرامة المواطنين وأرواحهم، وعجزت عن إلزام المستشفيات فتح أبوابها أمام المرضى وأمنت لهم كافة المستلزمات لذلك، وسمحت للمختبرات أن تستغل الأزمة لتراكم أرباحها، ورمت أمام شعبها خياران إثنان، لا يعلم أيهما السيئ و أيهما الأسوأ.
بقلم زينب شميس