
يحتاج التعبير عن أي لون من ألوان المشاعر الإنسانية, إلى الصدق العفوي كركن أساسي في انطلاق بث النجوى عبر الأثير, ليأتي اختيار المفردات والعبارات متناسقاً ومتناغماً, مع الإحساس المرهف النابع من شعلة وفاء أُوقِدت في النفس, ليطال بخورها الزكي ما أمكن من تفاصيل الحياة الصغيرة. فكيف بنا حين يكون الشعور المقصود هو نحو الأم تحديدا.
مع الشاعر ياسر بدر الدين, وفي ديوانه حنين التراب, يأخذ الأمر منحى سمة البساطة للبوح.. كنتِ تزوريننا كلّ ليل/ تغطيننا ونحن نيام/ تُصلحين أمر اللحاف على أجسادنا/ وعلى أرواحنا تفرشين ألف غطاء/ مغزول من حرير حنانك/ يا زينة الأمهات..
ويدلي بشهادة عمره بحقها.. فقد أفرغتِ قلبكِ من الرغبات/ وأبقيتِ فيه رغبة وحيدة/ هي العطاء.. ولم يقف الأمرعند هذا الحد, فأسهب في الوصف بنبرة الواثق كلّ الثقة من نفسه.. بلى, يا أمي/ كان قلبكِ مشرّعاً للمحبة/ وشراعاً للحنان/ كنتُ أتخيّله/ لفرط حنانه/ ورقّته وكآبته ونقائه/ ينبوع حزنٍ عميقٍ دفوق/ أغمس فيه ريشتي/ وأرسمكِ صفصافة/ على ضفة نهر البكاء..
ورفع رأسه عزة وعنفواناً معلناً .. أنا فخور بحكمتكِ, يا أمي/ بأفكاركِ/ التي تضيءُ كالشموع/ وتسيرعلى ضوء العقل/ وتنطلقُ من القلب.. وبالرغم من أنها لم تحصّل سوى سنوات قليلة من العلم إلا أنها بنظره.. كنتِ أنتِ المدرسة/ وحياتكِ/ كانت أروع كتاب..وانطلاقا من حرصها دوماً على إسداء النصيحة كلما احتاج الأمر.. وجب اعترافه لها.. وصيّتك الأخيرة, يا أمّي,/ وثيقة زهد وفلسفة وحكمة/ تستحقُّ أن تُكتب بماء الذهب/ وتُعلّق على جدران القلوب..
ومع يقينه أنها, وهي في دار البقاء, تسأل عن فلذات كبدها, يأتيها الجواب.. نحن بخيرٍ يا أمي/ نامي بأمان/ لا بُدّ ليومٍ تتعانق فيه الروحان..