الأربعاء , مارس 22 2023

الهجرة نحو تركيا

شهد لبنان في تاريخه الحديث موجات متعددة من الهجرة لأسباب عديد بدءا من أيام العثمانيين عندما كان الكثيرون يركبون البواخر نحو المجهول. حينذاك كان الفقر هو ما يدفع الناس الى الهجرة. ثم جاءت الحرب في السبعينيات وبدأت موجة أخرى من الهجرة هربا من القصف والاحتراب وانعدام الأمن.
بإستثناء فلسطين، لا يوجد جالية أخرى أكبر من عدد مواطنيها الأصليين، فآخر تعداد للبنانين المنحدرين و المغتربين قارب ال 16  مليون بحسب الموقع الرسمي للجيش اللبناني، و هو أضعاف عدد اللبنانيين في لبنان، وهذا الرقم مرجح للإرتفاع مع موجة الهجرة الأخيرة التي سببتها الأوضاع الاقتصادية والمالية و المصرفية الصعبة التي يشهدها لبنان. والأسباب بمعظمها داخلية مرتبطة بالنموذج الاقتصادي الذي اعتِمد بعد الحرب اللبنانية، وبالهدر المالي والفساد والعجز وغياب البنى التحتية . رغم محاولة الحكومة إعداد ما سمتها بخطة انقاذ اقتصادية، وطلبت رسميا المساعدة من صندوق النقد الدولي، الا أنه حتى اللحظة لم نلمس أي خطوة عملية في اتجاه تطبيق هذه الخطة بسبب الإنقسامات الداخلية.
برز في الأيام الأخيرة الماضية اسم تركيا كدولة حاضنة للمهاجرين من لبنان رغم إرتفاع حدة الأزمات الاقتصادية في تركيا مع ظهور مؤشرات سلبية مدفوعة بانهيار الليرة التركية لمستويات تاريخية غير مسبوقة، ولذلك أسباب عديدة يرويها لنا نادر الذي سافر منذ شهرين إلى تركيا ” يسألني الجميع لماذا تركيا، الناس اعتادوا رؤية اللبنانيين في كندا وأفريقيا و البرازيل، تركيا كان مقصدًا للسياحة اللبنانية فقط، أما الآن و قد ارتفع صرف الدولار وانهارت عملتنا الوطنية، باتت تركيا مكانًا أفضل للعيش، والعبور إلى هناك سهل وبسيط، يوجد مكاتب تساعدنا في إيجاد منازل مناسبة للإيجار ولتحصل على إقامة، لا نحتاج سوى إلى فيزا وبعض الأوراق، هناك فرص عمل كثيرة وإمكانية للإستثمار لمن يمتلك رأس مال بسيط، وخلال سنة يستطيع المرء إتقان اللغة بسهولة تامة”
و عن رغبته بالمغادرة قال” لن أفعل ذلك، تركيا بلد جميل وآمن بعيدًا عن فوضى لبنان وأزماته، لا يوجد عائق لدي أمام الاستقرار هنا”
في المقابل ترى ميرا التي سافرت إلى تركيا منذ أسبوعين فقط أن العبور سهل لكن الحياة صعبة، فهي ترى” أن الأتراك قوميين يرفضون تعلم اللغة الانجليزية التي يستخدمها جزء لا يستهان به من الأجانب في هذا البلد، وتعلم اللغة التركية يحتاج وقتًا وجهدًا، كما أن العثور على عمل ليس بهذه السهولة لأن القانون يلزمهم بتشغيل أجنبي واحد مقابل خمس مواطنين أتراك، الأفضل أن يمتلك الفرد خبرة كبيرة وأشخاص يمكنهم أن يمهدوا له الطريق قبل وصوله، وإلا قد يعاني و يضيع وقته المسموح به للحصول على إقامة”
قد تكون تركيا بلدًا متواضعًا مقارنة بغيرها من الدول الأوربية و الأمريكية، لكن شعور الفرد بقيمته وإمتلاكه حقوق وواجبات متساوية بعيدًا عن الزبائنية والمحسوبية، دافع كبير لخوض هذه المغامرة، فكل دقيقة يمضيها اللبناني في بلاده تضيع من عداد عمره الذي قد يكون قصيرًا لما يشكل الوضع المتأرجح من خطر دائم على حياة الفرد، فبعد إنفجار المرفأ وازدياد حالات العنف والقتل والجرائم، وصعوبة تحصيل لقمة العيش، صار الخوف رفيق دربنا، وصار الشعور بالأمان حاجة ضرورية لقدرتنا على الإستمرار، وإلا فقدنا عقولنا وأنفسنا قبل كل شيء.
ساهم تصريح وزير الخارجية التركي حول منح الجنسية لمواطنين لبنانيين، وذلك خلال زيارته لبنان عقب الانفجار، وتردي الأوضاع وبعض الشروط التعجيزية التي تفرضها دول أخرى لإستقبال المهاجرين، كإمتلاك حساب مصرفي كبير أو إجتياز إمتحان اللغة، على توسع دائرة الراغبين بالهجرة إلى تركيا، فهل يفقد لبنان طاقاته التي لطالما أعتبرها ثروته الوطنية ورأسماله البشري الذي جعله رائدًا في مجالات متعددة، أو أن معجزة ما ستعيد الأدمغة إلى حضن الوطن ليعاودوا بنائه سويًا؟

بقلم زينب شميس

عن ضيوف الموقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *