أخبار لبنان اليوم نقد تحليل حياد
مقالات مشابهة
إذا أردت أن تستمع إلى نمط جديد من الموسيقى، تعزفها مجموعة من عناصر الطبيعة، ويتهادى صداها على مدى لا أفق له، وفق جدول عفوي من النغمات المتكررة صعوداً وهبوطاً على سُلّمٍ موسيقيّ استثنائي، مُشكّلة تناسقاً مألوفاً لآذاننا، لكننا لا نُعيره الاهتمام المطلوب، لأنه لا ينتظر من أحد إشارة البدء بالعزف، ولا يُلقي بالاً لكلّ الدوائر التي تُرسم في الهواء بعصا قائد أيّ اوركسترا، مهما علا شأنها، ومهما ذاع سيطها، ومهما كانت المهارات التي تتقنها من دواعي رسم علامات الدهشة على الوجوه.
إذا أردت خوض هذه التجربة أو المغامرة ربما، فلا تكتفِ بوضع إحدى القواقع التي تحفظ صوت البحر على إحدى أذنيك، ولا أن تُشارك أحدا هذه اللعبة الطفولية المُحببة، بل إقرأ معي هذا النص، وبعد ذلك، قد يكون الصمت، وهذا هو الأرجح، هو سيّد الموقف:
سيمفونية الملح *
جان عبد الله توما
حين يكتب الموج موسيقاه على الصخر المرتفع هنا وهناك، يرتفع الزبد جدائل قصيدة مشغولة على وجه المياه.
كيف يدخل الموج عمق الصخر بلطافة ملحه؟ يحفر البحر بألسنته المائية عمق الحجر، يلج جماده، وينعشه بالماء المالح فيصيّره أشكالاً وألوانا.
كيف يحتال البحر على الحجر الأصم؟ بل قل ما هي الكلمات الحلوة التي يهمس بها الماء في قلب الصخر فيذوّبه غزلاً وحناناً وحياء؟
ما هذا الحب الذي تقيمه الطبيعة بين الماء السائل والتراب الجامد؟ كيف تجمع بين عنصري الحياة من الداخل، وتكتفي بنار الشمس وهواء الريح من الخارج؟ كيف تستقيم أنشودة الحياة بين ما هو ليّن وما هو قاس؟ كيف يلتقي النقيضان؟
كيف يحوّلان بأنشودة اللقاء المشهد الجاف إلى مشاهد يختلف الناظر إليها في ماهيتها ومائها وصخرها؟
ما كانت الصخور هكذا، وما كان البحر إلّا مقاتلاً شرساً؟ خسر الصخر معركته لأنّه ثابت لا يتحرّك، يتّكل على ما كان عليه قديما، واثق من مواجهة الريح عبر الزمن، فيما البحر متحرّك الماء، طوّاف من الجهات الأربع، ثائر، متحرّر من الشواطىء، محارب، مقاتل.
تسنّنت الصخور من جزاء صراع الصخرة الجلمود مع غزوات الموج المالحة. غيّر البحر أشكال الصخر وهيئاته، وأضاعت الشمس الظلال التي كانت تلقّب بها هذه الصخور. ضاع الظلّ فضاعت الحقيقة.
اختر أن تكون صخراً أو موجا، واصمد كموج البحر أمام الرياح، وكالصخر في صدّ امتداد الماء.
اختر بين التراب والماء، فيما تمتشق بقلبك نار الحياة وهواء نسيم العمر الجميل.
* .. والعمر شراع مسافر، منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة الثقافي، لبنان، 2020.
